بسم الله الرحمن الرحيم وبه الإعانة
الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلا ويسرهم للأعمال الصالحة
الموصلة إليها فلم يتخذوا سواها فسلكوا السبيل الموصلة إليها ذللا خلقها لهم قبل
أن يخلقهم وأسكنهم إياها قبل أن يوجدهم وحفها بالمكاره وأخرجهم إلى دار الامتحان
ليبلوهم أيهم أحسن عملا وجعل ميعاد دخولها يوم القدوم عليه وضرب مدة الحياة
الفانية دونه أجلا وأودعهم مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
وجلاها لهم حتى عاينوها بعين البصيرة التي هي أنفذ من رؤية البصر وبشرهم بما أعد
لهم فيها على لسان رسوله فهي خير البشر على لسان خير البشير وكمل لهم البشرى
بكونهم خالدين فيها لا يبغون عنها حولا والحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل
الملائكة رسلا وباعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد
الرسل غذ لم يخلقهم عبثا ولم يتركهم سدى ولو يغفلهم هملا بل خلقهم لأمر عظيم
وهيأهم لخطب جسيم وعمر لهم دارين فهذه لمن أجاب الداعي ولم يبغ سوى ربه
الكريم بدلا وهذه لمن لم يجب دعوته ولم يرفع بها رأسا ولم يعلق بها أملا والحمد لله
الذي رضي من عباده باليسير من العمل وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل وأفاض
عليهم النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت
غضبه دعا عباده إلى دار السلام فعمهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلا وخص بالهداية
والتوفيق من شاء نعمة ومنه وفضلا فهذا عدله وحكمته وهو العزيز الحكيم وذلك
فضله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له شهادة عبده وابن عبده وأبن أمته ومن لا غنى به طرفة عين فضله ورحمته ولا مطمع
له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته واشهد أن محمد عبده ورسوله
وأمينة على وحيه وخيرته من خلقه أرسله رحمة للعالمين وقدوة للعاملين ومحجة
للسالكين وحجة على العباد أجمعين بعثهللأيمان مناديا وإلى دار
السلام داعيا وللخليقة هاديا ولكتابه تاليا وفي مرضاته ساعيا وبالمعروف آمرا وعن
المنكر ناهيا أرسله على حين فترة من الرسل فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل
وافترض على العباد طاعته ومحبته وتعزيزه وتوقيره والقيام بحقوقه وسد إلى الجنة جميع
الطرق فلم يفتحها لأحد إلا من طريقه فلو أتوا من كل طريق واستفتحوا من كل
باب لما فتح لهم حتى يكونوا خلفه من الداخلين وعلى منهاجه وطريقته من السالكين
فسبحان من شرح له صدره ووضع عنه وزره ورفع له ذكره وجعل لذلة والصغار
على من خالف أمره فدعا الى الله وإلى جنته سرا وجهارا وأذن بذلك بين اظهر الأمة
ليلا ونهارا إلى أن طلع فجر الإسلام وأشرقت شمس الإيمان وعلت كلمة الرحمن
وبطلت دعوة الشيطان وأضاءت بنور رسالته الأرض بعد ظلماتها وتألفت به القلوب
بعد تفرقها وشتاتها فأشرق وجه الدهر حسنا واصبح الظلام ضياء واهتدى كل
حيران فلما كمل الله به دينهوأتم به نعمته ونشر به على الخلائق رحمته فبلغ رسالات
ربه ونصح عباده وجاهد في الله حق جهاده خيره بين المقام في الدنيا وبين لقائه
والقدوم عليه فاختار لقاء ربه محبة له وشوقا إليه فاستأثر به ونقله إلى الرفيق الأعلى
والمحل الأرفع الأسنى وقد ترك أمته على الواضحة الغراء والمحجة البيضاء فسلك
أصحابه وإتباعه على أثره إلى جنات النعيم وعدل الراغبون عن هديه إلى طرق الجحيم
ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم فصلى الله
وملائكته وأنبياؤه ورسله وعباده المؤمنون عليه كما وحد الله وعبده وعرفنا به ودعا
إليه أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى بل خلقهم
لأمر عظيم وخطب جسيم وعرض على السموات والأرض والجبال فأبين وأشفقن
منه إشفاقا ووجلا وقلن ربنا أن أمرتنا فسمعا وطاعة وان خيرتنا فعافيتك نريد لا نبغي
بها بدلا وحمله الإنسان على ضعفه وعجزه عن حمله وباء به على ظلمه وجهله فألقى
اكثر الناس الحمل عن ظهورهم لشدة مؤنته عليهم وثقله فصحبوا الدنيا صحبة الأنعام
السائمة لا ينظرون في معرفة موجدهم وحقه عليهم ولا في المراد من إيجادهم
وإخراجهم إلى هذه الدار التي هي طريق ومعبر إلى دار القرار ولا يتفكرون في قلة
مقامهم في الدنيا الفانية وسرعة رحيلهم إلى الآخرة الباقية فقد ملكهم باعث الحس
وغاب عنهم داعي العقل وشملتهم الغفلة وغرتهم الأماني الباطلة والخدع الكاذبة
فخدعهم
طول الأمل وران على قلوبهم سوء العمل فهممهم في لذات الدنيا وشهوات
النفوس كيف حصلت حصولها ومن أي وجه لاحت أخذوها إذا بدا لهم حظ من
الدنيا بآخرتهم طاروا إليه زرافات ووحدانا وإذا عرض لهم عاجل من الدنيا لم يؤثروا
عليه ثوابا من الله ولا رضوانا يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم
غافلون نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون والعجب وكل العجب من
غفلة من لحظاته معدودة عليه وكل نفس من أنفاسه لا قيمة له إذا ذهب لم يرجع إليه
فمطايا الليل والنهار تسرع به ولا يتفكر إلى اين يحمل ويسار به اعظم من سير البريد
ولا يدري إلى اي الدارين ينقل فإذا نزل به الموت أشتد قلقه لخراب ذاته وذهاب
لذاته لا لما سبق من جناياته وسلف من تفريطه حيث لم يقدم لحياته فإذا خطرت له
خطرة عارضة لما خلق له دفعها باعتماده على العفو وقال قد أنبئنا أنه هو الغفور
الرحيم وكأنه لم ينبأ أن عذابههو العذاب الأليم فصل ولما علم الموفقون ما خلقوا
له وما أريد بإيجادهم رفعوا رؤسهم فإذا علم الجنة قد رفع لهم فشمروا إليه وإذا
صراطها المستقيم قد وضح لهم فاستقاموا عليه ورأوا من اعظم الغبن بيع ما لا عين
رأت ولا إذن سمعت ولا خطر على قلب بشر في أبدلا يزول ولا ينفذ بصبابة عيش
إنما هو كأضغاث أحلام أو كطيف زار في المنام مشوب بالنغص ممزوج بالغصص إن
أضحك قليلا أبكى كثيرا وإن سر يوما احزن شهورا الآمه تزيد على لذاته وأحزانه
أضعاف مسراته وله مخاوف وآخره متآلف فيا عجبا من سفيه في صورة حليم ومعتوه
في مسلاخ عاقل آثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي النفيس وباع جنة عرضها
السموات والأرض بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات ومساكن طيبة في
جنات عدن تجري من تحتها الأنهار بأعطان ضيقة آخرها الخراب والبوار وأبكارا
أعرابا أترابا كأنهن الياقوت والمرجان بقذرات دنسات سيآت الأخلاق مسالخات أو
متخذات أخذان وحورا مقصورات في الخيام بخبيثات مسيبات بين الأنام وأنهارا من
خمر لذة للشاربين بشراب نجس مذهب للعقل مفسد للدنيا والدين ولذة النظر إلى
وجه العزيز الرحيم بالتمتع برؤية الوجه القبيح الذميم وسماع الخطاب من الرحمن
بسماع المعازف والغناء والألحان والجلوس على منابر اللؤلؤ
والياقوت والزبرجد يوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطان مريد ونداء
المنادي يا أهل الجنة إن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا وتحيوا فلا تموتوا وتقيموا فلا تظعنوا
وتشبوا فلا تهرموا بغناء المغنين وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي % متأخر عنه
ولا متقدم أجد الملامة في هواك لذيذة % حبا لذكرك فليلمني اللوم وإنما يظهر
الغبن الفاحش في هذا البيع يوم القيامة وإنما يتبين سفه بائعه يوم الحسر والندامة إذا
حشر المتقون إلى الرحمن وفدا وسيق المجرمون إلى جهنم وردا ونادى المنادي
مقدمة الكتاب
للتحميل من المرفقات